الدولة الإدريسة
خلافا أقاليم و بلدان المشرق لم يكن فتح المغرب بالشيئ الهين، فقد استغرق الأمر نصف قرن من [ 646م إلى 710م]. باعتناق المغاربة الإسلام ظهرت بوادر انفصال هذا الإقليم عن الخلافة بالمشرق. عقب عدة محاولات تحققت هذه الرغبة بظهور أول دولة إسلامية بالمغرب هي دولة الأدارسة سنة 788م. وقد كان مؤسس هذه الدولة الشريف مولاي ادريس ابن عبد الله، المنتسب للبيت النبوي الشريف الذي حل بالمغرب الأقصى فارا من موقعة فخ قرب مكة (786). استقر بمدينة وليلي حيث احتضنته قبيلة آوربة الأمازيغية و دعمته حتى انشأ دولته. هكذا تمكن من ضم كل من منطقة تامسنا، فزاز ثم تلمسان. اغتيل المولى ادريس الأول بمكيدة دبرها الخليفة العباسي.
تطورت الدولة الإدريسية على يد إدريس الثاني:
بعد مقتل إدريس الأول بايع المغاربة ابنه إدريس الثاني سنة 803 م، الذي أسس مدينة فاس واتخذها عاصمة لحكمه، كما عمل على تنظيم الإدارة والجيش وتوحيد البلاد.
بعد وفاة إدريس الثاني تنازع أبناؤه على الحكم، فانقسمت المملكة وضعفت حتى سقوطها سنة 974 م.
كان للعاصمة فاس إشعاع حضاري متميز:
أسس السلطان إدريس الثاني مدينة فاس (عدوة الأندلس) سنة 808 م، على هضبة سايس، ثم بنى
سنة 809 عدوة القرويين، وكان يفصلهما الوادي الكبير.
ضمت مدينة فاس العديد من المساجد والفنادق والحمامات، كما أصبحت مركزا للتجارة والعلماء
والفقهاء والأطباء، إلا أن أهم ما تميزت به هو جامع القرويين الذي بنته فاطمة الفهرية سنة 859 م.
دولة المرابطين
نشأت دولة المرابطين في القرن الخامس الهجري خارج نطاق المغرب بشمالي أفريقيا، ولكن القبائل التي أنشأتها هي قبائل صنهاجة المغربية التي تتزعمها قبيلة جدالة، ورئيسها يحيى بن إبراهيم بن قرغوت الجدالي الذي ذهب إلى الحج، وهناك قابل أحد الدعاة وطلب منه الذهاب معه لتعليم القبائل الصنهاجية الإسلام، وكان هذا الداعية هو عبد الله بن ياسين الجدولي. وصل عبد الله بن ياسين إلى مناطق قبائل صنهاجة يعلمهم الإسلام، فلقي نجاحًا كبيرًا في قبيلة لمتونة، واستطاع تكوين جماعة سميت المرابطين، نظمهم للجهاد في سبيل الله. وبدأ المرابطون من عام 447هـ الجهاد في سبيل الله، وفتح بعض بلاد المغرب بقيادة أبى بكر بن عمر وابن عمه وسف بن تاشفين وهو الذي قاد الحركة المرابطية منذ ذلك الحين، وأسس الدولة الكبرى في المغرب أولاً، ثم اتجه إلى يوسف بن تاشفين إلى المعتمد بن عباد لينقذ ابن تاشفين وحقق جيش المرابطين نصر ملوك الطوائف بالذلاقة ودعاهم إلى الوحدة والتآلف لمواجهة النصارى.
عبر يوسف بن تاشفين النجدة للمرة الثانية، فعبر الأندلس، وهناك لم يأت إليه من المعتمد بن عباد صاحب مرسية، وبعد أن تمكنوا من صد غارات النصارى عاد الأندلس وهو يضمر في نفسه شيئًا ليوسف بن تاشفين للمرة الثالثة إلى طليطلة، ولم يأت أحد من طليطلة، ففك الحصار، ورأى أن يعزل غرناطة فاستولى عليها، وجعلها مركز المرابطين في دول الطوائف لتنصهر جميعًا تحت لواء المرابطين. وفي عام 500هـ توفي يوسف بن تاشفين تولى بعده ابنه على بن يوسف حتى عام 537هـ . وبعد فترة غير قليلة من انتهاء حكم على بن يوسف بدأ الضعف يدب في أوصال دولة المرابطين، إذ بدأ يتوالى على الحكم أمراء ضعاف النفوس، لم يستطيعوا الحفاظ على دولة المرابطين في وجه حملة دولة الأندلس، فما أن وافت سنة 540هـ حتى انتهى ملك المرابطين وتم خضوع الموحدين. هذا وقد حكم دولة المرابطين ستة ملوك منهم:
1. أبو بكر بن عمر، ويوسف بن تاشفين 480هـ - 500هـ .
2. على بن يوسف 500هـ - 537هـ .
3. تاشفين بن على 537هـ - 541هـ .
الموحدون أو الدولة الموحدية
هي دولة نشأت أول أمرها في المغرب ووصلت حدودها من طرابلس شرقاً إلى مشارف المحيط الأطلسي من الاشبونة إلى ما يعرف اليوم بالسنغال ثم امتدت في الأندلس، وقد قامت على أسس شيعية إذا لم تكن واضحة كل الوضوح فهي صريحة كل الصراحة. ويمكن القول أنها كانت على منهج خاص بها يمكن مماثلته بالمنهج الزيدي والمنهج الفاطمي واعتبارها واحداً من المذاهب الشيعية التي يعتبر المذهبان المذكوران مذهبين فيها. ولا يبدو التشيع عند الموحدين كما يبدو في شعر شعرائهم الذين لا يختلف عن أي شعر شيعي آخر.
ومنشئ هذه الدولة هو أبو عبدالله محمد بن عبدالله بن تومرت ـ ولد سنة 485 (1092م) وتوي سنة 524 (1130م) ـ الملقب بالمهدي، وينسب إلى قبيلة هرغة في أقصى المغرب. وهذه القبيلة تنسب إلى الحسن بن علي بن أبي طالب (ع). وقد أورد ابن خلكان نسب ابن تومرت قائلاً: ((ووجدت في كتاب النسيب الشريف العابد بخط أهل الأدب من عصرنا نسب ابن تومرت المذكور فنقلته كما وجدته)).
ثم ينقل النسب مبتدئاً بمحمد بن تومرت ومنتهياً بالحسن (ع).
وكان ابن تومرت نفسه يذيل رسائله بتوقيعه بهذه العبارة: ((محمد بن عبدالله العربي القرشي الحسني الفاطمي)).
وعن ذلك يقول عبدالله علي علام صاحب كتاب (الدعوة الموحدية بالمغرب): ((وقد أثبت المؤرخون أن (ابن تومرت) بربري ينتهي إلى قبيلة مصمودة، وليس في ذلك من شك غذ لم نصادف نصاً لابن تومرت أو لأنصاره من المؤرخين ينفي هذه الحقيقة، بل الأمر على عكس ذلك، فقد أثبت التاريخ أن ابن تومرت كان يعتز بقبيلته الصغرى (هرغة) وبقبيلته الكبرى (مصمودة) وفي الوقت ذاته يسمي ابن تومرت نفسه محمد بن عبدالله العربي القرشي الحسني الفاطمي ويكتب لنفسه نسبه إلى النبي (ص). ولا شك أن ذلك ما يوقع ظاهره في لبس، وربما كان هذا اللبس السطحي مما حمل بعض المؤرخين على تكذيب نسبته النبوية ثم طفقوا يخترعون التعليلات لتبرير وجهة نظرهم.
وقد كفانا المؤرخ الكبير ابن خلدون مؤنة التعب في بحث هذا اللبس السطحي، إذ يقول في ختام نسبة ابن تومرت النبوية: (( .. ابن عطاء بن رباح بن محمد بن ولد سليمان بن عبدالله بن الحسن (المثنى) بن الحسن بن علي بن أبي طالب أخي إدريس الأكبر الواقع نسب كثير من بنيه في المصامدة وأهل سوس)).
وذكر ابن نخيل في سليمان أنه لحق بالمغرب أثر أخيه إدريس ونزل تلمسان وافترق ولده في المغرب ثم يقرر ابن خلدون رأياً لطائفة أخرى من المؤرخين قائلاً: ((وقيل بل هو من قرابة إدريس اللاحقين به إلى المغرب وإن رباحا الذي في عمود هذا النسب إنما هو ابن يسار بن العباس بن محمد بن الحسن)).
ثم يبدي ابن خلدون رأيه في هذه الأقوال قائلاً: ((وعلى الأمرين فإن نسب (أي ابن تومرت) الطالبي وقع في هرغة من قبائل المصامدة ووشجت عروقه فيهم، والتحم بعصبيتهم، فلبس جلدتهم وانتسب لنسبتهم، وصار في عدادهم)).
ومعنى هذا الكلام أن الحسنيين الأشراف حينما أتيح لهم أن يؤسسوا دولة بالمغرب بفضل إدريس بن الحسن (المثنى) بن الحسن بن علي بن أبي طالب، مؤسس الدولة الإدريسية الشريفة كانت هذه الدولة الحسنية لهم متنفساً، وكان المغرب لهم مرتعاً خصيباً ومجالاً سعيداً، فانتشروا في أرجائه وانبثوا في قبائله، فاكسبوا تلك القبائل شرف النسبة النبوية واكتسبوا منعتها وقوتها وعصبيتها. فلبسوا جلدة هذه القبائل وانتسبوا بنسبتهم وصاروا في عدادهم، فليس إذاً في الأمر تناقض بين كون ابن تومرت مصمودي وقرشي، فهو مصمودي القبيلة قرشي النسب.
وقد أيد هذا الرأي عبدالحميد العبادي إذ يقول: ((ولكنه (أي ابن تومرت) كان في الأصل من أحفاد العلويين الأدارسة الذين اندمجوا في البربر ... وتخلقوا بأخلاقهم وتطبعوا بطباعهم. فهو عربي الأصل بربري الطباع والأخلاق)) (انتهى ما ذكره علام).
وقد بدأ ابن تومرت أمره أولاً بدعوة إصلاحية دينية واتخذ لقب المهدي ثم ثار على المرابطين ولما توفي ـ وكان قد أوصى بخلافته لعبد المؤمن بن علي القيسي ـ استطاع خليفته أن يقضي على بقايا المرابطين وأن يقيم على إنقاضهم دولة الموحدين وأن يوحد أفريقيا الشمالية كلها حيث قضى على سلطة النرمنديين في تونس واستخلصها منهم سنة 555هـ (1160م) وأخضع أمراء الطوائف المستبدين وأصبح ملكه ينبسط من أقصى ليبيا إلى المحيط الأطلنطي فالأندلس .. وقد جهد الموحدون في اتحاد الأندلس في مقاومتها للأسبان فوفقوا حيناً ولم يوفقوا حيناً. وكانت من أعظم معاركهم مع الأسبان معركة (الأرك) التي انتصروا فيها على الأسبان انتصاراً عظيماً أعاد إلى الأذهان ذكريات معركة الزلاقة.
وقد تماسكت جبهة الأندلس بعد تضحيات كثيرة أيام خلفاء الموحدين الثلاثة الأول، ثم تداعت على أيام الرابع منهم وهو محمد الناصر ابن أبي يعقوب يوسف المنصور (595 ـ 611 = 1199 ـ 1215) وظهر هذا التداعي في صورة انهيار سريع بعد معركة (العقاب)، وقد كانت قاصمة الظهر لدولة الموحدين في الأندلس والمغرب أيضاً.
وكان الخليفة يعقوب المنصور، وهو ثالث الخلفاء الموحدين، بعد جده الخليفة عبد المؤمن بن علي، وأبيه الخليفة أبي يعقوب يوسف، يجمع إلى عظمة السلطان السياسي رسوخ العقيدة، وشدة الحرص على أحكام الشريعة وسنتها، وبالرغم من أنه لم يكن من الغلاة في تقدير تراث المهدي بن تومرت وتعاليمه وقد أحدث ما يمكن أن يسمى انقلاباً حقيقياً في ميدان المذهب والعقيدة في الدولة الموحدية فإنه كان يتشدد في تطبيق أحكام الشريعة على حقيقتها، وفي الدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود حتى ف أهله وعشيرته، وكان يذهب في ذلك إلى حدود بعيدة، حتى قيل أنه عاقب على شرب الخمر بالقتل، وكان يشدد في إلزام الناس بإقامة الصلوات الخمس، ويأمر بالمناداة عليها، ويعاقب على تركها.
الدولة المرينية
ينحدر المرينيون من بلاد الزاب الكبير في الشرق الجزائري (السفوح الغربية لجبال الاوراس امتدادا حتى منطقة المدية ،ومعنى كلمة المرينيون : القبائل التي هلكت ماشيتها,وهم قبائل بدوية كان أول ظهور لهم بالتخوم الشرقية بالمغرب كمتطوعين في الجيش الموحدي ،واستطاعوا تشكيل قوة عسكرية وسياسية مكنتهم من الإطاحة بدولة الموحدين سنة 1269م
. حكم المرينيون المغرب لمدة قرنيين لم يستطيعوا خلالها الحفاظ على الإرث الكبير الذي حلفه الموحدون. مما أجبرهم في نهاية الأمر على توجيه اهتمامهم على الحدود الترابية للمغرب الأقصى.ستتميز نهاية حكمهم بانقسام المغرب إلى مملكتين: مملكة فاس ومملكة مراكش، إضافة إلى سقوط مجموعة من المدن في يد المحتل الإيبيري، كسبتة 1415م و القصر الصغير 1458 و أصيلا و طنجة 1471 و مليلية 1497.
الدولة السعدية
السعديون: سلالة من الأشراف حكمت في المغرب سنوات 1554-1659 م.
المقر: مراكش وفاس.
نزح أجداد السعديين (ينتسبون إلى سيدنا الحسن السبط) مطلع القرن الـ14 م من الحجاز نحو منطقة الذراع (جنوب المغرب). بدأ السعديون في نشر دعوتهم عن طريق الفرق الصوفية في جنوب المغرب. حاربوا حكام المغرب الوطاسيين ثم قادوا حركة المقاومة ضد الوجود البرتغالي في البلاد، استولوا على مراكش سنة 1525 م ثم أغادير (أكادير) سنة 1441 م بعد طرد البرتغاليين منها وأخيرا دخلوا فاس سنة 1549 م. قام محمد الشيخ (54/1549-1557 م) بالقضاء على الوطاسيين سنة 1554 م. قام بعدها بتوطيد دعائم ملكه، أمن البلاد ثم استولى على تلمسان. قاوم ابنه مولاي عبد الله نفوذالعثمانيين ومحاولاتهم التوغل إلى داخل البلاد (1557-1574 م). كان مُلك المغرب يتنازعه عدة أدعياء. قضا السعديون على التواجد البرتغالي في البلاد بعد انتصارهم في معركة "القصر الكبير" سنة 1578 م.
بلغت الدولة أوجها السياسي في عهد أحمد منصور (1578-1603 م)، والذي أمن رخاء البلاد من خلال تحكمه في اقتصاد الدولة كما استُحدِث في عهده نظام إدارة جديد، والذي أطلق عليه اسم "المخزن". بعد سنة 1603 م قسمت المملكة وبدأت معها مرحلة التقهقر. حكم فرع السعديين في فاس مابين سنوات 1610-1626 م. قتل آخر السلاطين السعديين في مراكش سنة 1659 م وأصبح أمر الغرب في أيدي الأسرة العلوية (الفيلاليون).
الدولة العلوية
النزاع السياسي الذي خلفه السعديون سيدوم 60 سنة انقسم أثناءها المغرب الأقصى إلى كيانات سياسية جهوية ذات طابع ديني مثل إمارة تازروالت بسوس. هكذا وابتداءا من سنة 1664 ظهر الشريف مولاي رشيد بتافيلالت وانطلق في حملة عسكرية هدفها توحيد البلاد من التشرذم وتأسيس سلطة مركزية قوية، بسط مولى رشيد سلطته مؤسسا بذلك دولة العلويين. وقد كان على خلفه السلطان مولاي إسماعيل دور تثبيت سلطة الدولة الناشئة وفرض هيبتها. استمر عهد السلطان المولى إسماعيل 50 سنة تمكن خلالها من بناء نظام سياسي للدولة. تولى السلاطين العلويين على الحكم متحديين أزمات متعددة داخلية وأخرى خارجية من أبرزها فرض الحماية الفرنسية على المغرب سنة 1912م. وبفضل تضحيات العرش والشعب استعاد المغرب استقلاله سنة 1956 معلنا عن ميلاد عهد جديد بالمغرب.
ا
خلافا أقاليم و بلدان المشرق لم يكن فتح المغرب بالشيئ الهين، فقد استغرق الأمر نصف قرن من [ 646م إلى 710م]. باعتناق المغاربة الإسلام ظهرت بوادر انفصال هذا الإقليم عن الخلافة بالمشرق. عقب عدة محاولات تحققت هذه الرغبة بظهور أول دولة إسلامية بالمغرب هي دولة الأدارسة سنة 788م. وقد كان مؤسس هذه الدولة الشريف مولاي ادريس ابن عبد الله، المنتسب للبيت النبوي الشريف الذي حل بالمغرب الأقصى فارا من موقعة فخ قرب مكة (786). استقر بمدينة وليلي حيث احتضنته قبيلة آوربة الأمازيغية و دعمته حتى انشأ دولته. هكذا تمكن من ضم كل من منطقة تامسنا، فزاز ثم تلمسان. اغتيل المولى ادريس الأول بمكيدة دبرها الخليفة العباسي.
تطورت الدولة الإدريسية على يد إدريس الثاني:
بعد مقتل إدريس الأول بايع المغاربة ابنه إدريس الثاني سنة 803 م، الذي أسس مدينة فاس واتخذها عاصمة لحكمه، كما عمل على تنظيم الإدارة والجيش وتوحيد البلاد.
بعد وفاة إدريس الثاني تنازع أبناؤه على الحكم، فانقسمت المملكة وضعفت حتى سقوطها سنة 974 م.
كان للعاصمة فاس إشعاع حضاري متميز:
أسس السلطان إدريس الثاني مدينة فاس (عدوة الأندلس) سنة 808 م، على هضبة سايس، ثم بنى
سنة 809 عدوة القرويين، وكان يفصلهما الوادي الكبير.
ضمت مدينة فاس العديد من المساجد والفنادق والحمامات، كما أصبحت مركزا للتجارة والعلماء
والفقهاء والأطباء، إلا أن أهم ما تميزت به هو جامع القرويين الذي بنته فاطمة الفهرية سنة 859 م.
دولة المرابطين
نشأت دولة المرابطين في القرن الخامس الهجري خارج نطاق المغرب بشمالي أفريقيا، ولكن القبائل التي أنشأتها هي قبائل صنهاجة المغربية التي تتزعمها قبيلة جدالة، ورئيسها يحيى بن إبراهيم بن قرغوت الجدالي الذي ذهب إلى الحج، وهناك قابل أحد الدعاة وطلب منه الذهاب معه لتعليم القبائل الصنهاجية الإسلام، وكان هذا الداعية هو عبد الله بن ياسين الجدولي. وصل عبد الله بن ياسين إلى مناطق قبائل صنهاجة يعلمهم الإسلام، فلقي نجاحًا كبيرًا في قبيلة لمتونة، واستطاع تكوين جماعة سميت المرابطين، نظمهم للجهاد في سبيل الله. وبدأ المرابطون من عام 447هـ الجهاد في سبيل الله، وفتح بعض بلاد المغرب بقيادة أبى بكر بن عمر وابن عمه وسف بن تاشفين وهو الذي قاد الحركة المرابطية منذ ذلك الحين، وأسس الدولة الكبرى في المغرب أولاً، ثم اتجه إلى يوسف بن تاشفين إلى المعتمد بن عباد لينقذ ابن تاشفين وحقق جيش المرابطين نصر ملوك الطوائف بالذلاقة ودعاهم إلى الوحدة والتآلف لمواجهة النصارى.
عبر يوسف بن تاشفين النجدة للمرة الثانية، فعبر الأندلس، وهناك لم يأت إليه من المعتمد بن عباد صاحب مرسية، وبعد أن تمكنوا من صد غارات النصارى عاد الأندلس وهو يضمر في نفسه شيئًا ليوسف بن تاشفين للمرة الثالثة إلى طليطلة، ولم يأت أحد من طليطلة، ففك الحصار، ورأى أن يعزل غرناطة فاستولى عليها، وجعلها مركز المرابطين في دول الطوائف لتنصهر جميعًا تحت لواء المرابطين. وفي عام 500هـ توفي يوسف بن تاشفين تولى بعده ابنه على بن يوسف حتى عام 537هـ . وبعد فترة غير قليلة من انتهاء حكم على بن يوسف بدأ الضعف يدب في أوصال دولة المرابطين، إذ بدأ يتوالى على الحكم أمراء ضعاف النفوس، لم يستطيعوا الحفاظ على دولة المرابطين في وجه حملة دولة الأندلس، فما أن وافت سنة 540هـ حتى انتهى ملك المرابطين وتم خضوع الموحدين. هذا وقد حكم دولة المرابطين ستة ملوك منهم:
1. أبو بكر بن عمر، ويوسف بن تاشفين 480هـ - 500هـ .
2. على بن يوسف 500هـ - 537هـ .
3. تاشفين بن على 537هـ - 541هـ .
الموحدون أو الدولة الموحدية
هي دولة نشأت أول أمرها في المغرب ووصلت حدودها من طرابلس شرقاً إلى مشارف المحيط الأطلسي من الاشبونة إلى ما يعرف اليوم بالسنغال ثم امتدت في الأندلس، وقد قامت على أسس شيعية إذا لم تكن واضحة كل الوضوح فهي صريحة كل الصراحة. ويمكن القول أنها كانت على منهج خاص بها يمكن مماثلته بالمنهج الزيدي والمنهج الفاطمي واعتبارها واحداً من المذاهب الشيعية التي يعتبر المذهبان المذكوران مذهبين فيها. ولا يبدو التشيع عند الموحدين كما يبدو في شعر شعرائهم الذين لا يختلف عن أي شعر شيعي آخر.
ومنشئ هذه الدولة هو أبو عبدالله محمد بن عبدالله بن تومرت ـ ولد سنة 485 (1092م) وتوي سنة 524 (1130م) ـ الملقب بالمهدي، وينسب إلى قبيلة هرغة في أقصى المغرب. وهذه القبيلة تنسب إلى الحسن بن علي بن أبي طالب (ع). وقد أورد ابن خلكان نسب ابن تومرت قائلاً: ((ووجدت في كتاب النسيب الشريف العابد بخط أهل الأدب من عصرنا نسب ابن تومرت المذكور فنقلته كما وجدته)).
ثم ينقل النسب مبتدئاً بمحمد بن تومرت ومنتهياً بالحسن (ع).
وكان ابن تومرت نفسه يذيل رسائله بتوقيعه بهذه العبارة: ((محمد بن عبدالله العربي القرشي الحسني الفاطمي)).
وعن ذلك يقول عبدالله علي علام صاحب كتاب (الدعوة الموحدية بالمغرب): ((وقد أثبت المؤرخون أن (ابن تومرت) بربري ينتهي إلى قبيلة مصمودة، وليس في ذلك من شك غذ لم نصادف نصاً لابن تومرت أو لأنصاره من المؤرخين ينفي هذه الحقيقة، بل الأمر على عكس ذلك، فقد أثبت التاريخ أن ابن تومرت كان يعتز بقبيلته الصغرى (هرغة) وبقبيلته الكبرى (مصمودة) وفي الوقت ذاته يسمي ابن تومرت نفسه محمد بن عبدالله العربي القرشي الحسني الفاطمي ويكتب لنفسه نسبه إلى النبي (ص). ولا شك أن ذلك ما يوقع ظاهره في لبس، وربما كان هذا اللبس السطحي مما حمل بعض المؤرخين على تكذيب نسبته النبوية ثم طفقوا يخترعون التعليلات لتبرير وجهة نظرهم.
وقد كفانا المؤرخ الكبير ابن خلدون مؤنة التعب في بحث هذا اللبس السطحي، إذ يقول في ختام نسبة ابن تومرت النبوية: (( .. ابن عطاء بن رباح بن محمد بن ولد سليمان بن عبدالله بن الحسن (المثنى) بن الحسن بن علي بن أبي طالب أخي إدريس الأكبر الواقع نسب كثير من بنيه في المصامدة وأهل سوس)).
وذكر ابن نخيل في سليمان أنه لحق بالمغرب أثر أخيه إدريس ونزل تلمسان وافترق ولده في المغرب ثم يقرر ابن خلدون رأياً لطائفة أخرى من المؤرخين قائلاً: ((وقيل بل هو من قرابة إدريس اللاحقين به إلى المغرب وإن رباحا الذي في عمود هذا النسب إنما هو ابن يسار بن العباس بن محمد بن الحسن)).
ثم يبدي ابن خلدون رأيه في هذه الأقوال قائلاً: ((وعلى الأمرين فإن نسب (أي ابن تومرت) الطالبي وقع في هرغة من قبائل المصامدة ووشجت عروقه فيهم، والتحم بعصبيتهم، فلبس جلدتهم وانتسب لنسبتهم، وصار في عدادهم)).
ومعنى هذا الكلام أن الحسنيين الأشراف حينما أتيح لهم أن يؤسسوا دولة بالمغرب بفضل إدريس بن الحسن (المثنى) بن الحسن بن علي بن أبي طالب، مؤسس الدولة الإدريسية الشريفة كانت هذه الدولة الحسنية لهم متنفساً، وكان المغرب لهم مرتعاً خصيباً ومجالاً سعيداً، فانتشروا في أرجائه وانبثوا في قبائله، فاكسبوا تلك القبائل شرف النسبة النبوية واكتسبوا منعتها وقوتها وعصبيتها. فلبسوا جلدة هذه القبائل وانتسبوا بنسبتهم وصاروا في عدادهم، فليس إذاً في الأمر تناقض بين كون ابن تومرت مصمودي وقرشي، فهو مصمودي القبيلة قرشي النسب.
وقد أيد هذا الرأي عبدالحميد العبادي إذ يقول: ((ولكنه (أي ابن تومرت) كان في الأصل من أحفاد العلويين الأدارسة الذين اندمجوا في البربر ... وتخلقوا بأخلاقهم وتطبعوا بطباعهم. فهو عربي الأصل بربري الطباع والأخلاق)) (انتهى ما ذكره علام).
وقد بدأ ابن تومرت أمره أولاً بدعوة إصلاحية دينية واتخذ لقب المهدي ثم ثار على المرابطين ولما توفي ـ وكان قد أوصى بخلافته لعبد المؤمن بن علي القيسي ـ استطاع خليفته أن يقضي على بقايا المرابطين وأن يقيم على إنقاضهم دولة الموحدين وأن يوحد أفريقيا الشمالية كلها حيث قضى على سلطة النرمنديين في تونس واستخلصها منهم سنة 555هـ (1160م) وأخضع أمراء الطوائف المستبدين وأصبح ملكه ينبسط من أقصى ليبيا إلى المحيط الأطلنطي فالأندلس .. وقد جهد الموحدون في اتحاد الأندلس في مقاومتها للأسبان فوفقوا حيناً ولم يوفقوا حيناً. وكانت من أعظم معاركهم مع الأسبان معركة (الأرك) التي انتصروا فيها على الأسبان انتصاراً عظيماً أعاد إلى الأذهان ذكريات معركة الزلاقة.
وقد تماسكت جبهة الأندلس بعد تضحيات كثيرة أيام خلفاء الموحدين الثلاثة الأول، ثم تداعت على أيام الرابع منهم وهو محمد الناصر ابن أبي يعقوب يوسف المنصور (595 ـ 611 = 1199 ـ 1215) وظهر هذا التداعي في صورة انهيار سريع بعد معركة (العقاب)، وقد كانت قاصمة الظهر لدولة الموحدين في الأندلس والمغرب أيضاً.
وكان الخليفة يعقوب المنصور، وهو ثالث الخلفاء الموحدين، بعد جده الخليفة عبد المؤمن بن علي، وأبيه الخليفة أبي يعقوب يوسف، يجمع إلى عظمة السلطان السياسي رسوخ العقيدة، وشدة الحرص على أحكام الشريعة وسنتها، وبالرغم من أنه لم يكن من الغلاة في تقدير تراث المهدي بن تومرت وتعاليمه وقد أحدث ما يمكن أن يسمى انقلاباً حقيقياً في ميدان المذهب والعقيدة في الدولة الموحدية فإنه كان يتشدد في تطبيق أحكام الشريعة على حقيقتها، وفي الدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود حتى ف أهله وعشيرته، وكان يذهب في ذلك إلى حدود بعيدة، حتى قيل أنه عاقب على شرب الخمر بالقتل، وكان يشدد في إلزام الناس بإقامة الصلوات الخمس، ويأمر بالمناداة عليها، ويعاقب على تركها.
الدولة المرينية
ينحدر المرينيون من بلاد الزاب الكبير في الشرق الجزائري (السفوح الغربية لجبال الاوراس امتدادا حتى منطقة المدية ،ومعنى كلمة المرينيون : القبائل التي هلكت ماشيتها,وهم قبائل بدوية كان أول ظهور لهم بالتخوم الشرقية بالمغرب كمتطوعين في الجيش الموحدي ،واستطاعوا تشكيل قوة عسكرية وسياسية مكنتهم من الإطاحة بدولة الموحدين سنة 1269م
. حكم المرينيون المغرب لمدة قرنيين لم يستطيعوا خلالها الحفاظ على الإرث الكبير الذي حلفه الموحدون. مما أجبرهم في نهاية الأمر على توجيه اهتمامهم على الحدود الترابية للمغرب الأقصى.ستتميز نهاية حكمهم بانقسام المغرب إلى مملكتين: مملكة فاس ومملكة مراكش، إضافة إلى سقوط مجموعة من المدن في يد المحتل الإيبيري، كسبتة 1415م و القصر الصغير 1458 و أصيلا و طنجة 1471 و مليلية 1497.
الدولة السعدية
السعديون: سلالة من الأشراف حكمت في المغرب سنوات 1554-1659 م.
المقر: مراكش وفاس.
نزح أجداد السعديين (ينتسبون إلى سيدنا الحسن السبط) مطلع القرن الـ14 م من الحجاز نحو منطقة الذراع (جنوب المغرب). بدأ السعديون في نشر دعوتهم عن طريق الفرق الصوفية في جنوب المغرب. حاربوا حكام المغرب الوطاسيين ثم قادوا حركة المقاومة ضد الوجود البرتغالي في البلاد، استولوا على مراكش سنة 1525 م ثم أغادير (أكادير) سنة 1441 م بعد طرد البرتغاليين منها وأخيرا دخلوا فاس سنة 1549 م. قام محمد الشيخ (54/1549-1557 م) بالقضاء على الوطاسيين سنة 1554 م. قام بعدها بتوطيد دعائم ملكه، أمن البلاد ثم استولى على تلمسان. قاوم ابنه مولاي عبد الله نفوذالعثمانيين ومحاولاتهم التوغل إلى داخل البلاد (1557-1574 م). كان مُلك المغرب يتنازعه عدة أدعياء. قضا السعديون على التواجد البرتغالي في البلاد بعد انتصارهم في معركة "القصر الكبير" سنة 1578 م.
بلغت الدولة أوجها السياسي في عهد أحمد منصور (1578-1603 م)، والذي أمن رخاء البلاد من خلال تحكمه في اقتصاد الدولة كما استُحدِث في عهده نظام إدارة جديد، والذي أطلق عليه اسم "المخزن". بعد سنة 1603 م قسمت المملكة وبدأت معها مرحلة التقهقر. حكم فرع السعديين في فاس مابين سنوات 1610-1626 م. قتل آخر السلاطين السعديين في مراكش سنة 1659 م وأصبح أمر الغرب في أيدي الأسرة العلوية (الفيلاليون).
الدولة العلوية
النزاع السياسي الذي خلفه السعديون سيدوم 60 سنة انقسم أثناءها المغرب الأقصى إلى كيانات سياسية جهوية ذات طابع ديني مثل إمارة تازروالت بسوس. هكذا وابتداءا من سنة 1664 ظهر الشريف مولاي رشيد بتافيلالت وانطلق في حملة عسكرية هدفها توحيد البلاد من التشرذم وتأسيس سلطة مركزية قوية، بسط مولى رشيد سلطته مؤسسا بذلك دولة العلويين. وقد كان على خلفه السلطان مولاي إسماعيل دور تثبيت سلطة الدولة الناشئة وفرض هيبتها. استمر عهد السلطان المولى إسماعيل 50 سنة تمكن خلالها من بناء نظام سياسي للدولة. تولى السلاطين العلويين على الحكم متحديين أزمات متعددة داخلية وأخرى خارجية من أبرزها فرض الحماية الفرنسية على المغرب سنة 1912م. وبفضل تضحيات العرش والشعب استعاد المغرب استقلاله سنة 1956 معلنا عن ميلاد عهد جديد بالمغرب.
ا