لم تشهد مصر حالة من الاهتمام بالسياسة وشئونها مثلما يحدث منذ اندلاع ثورة 25 يناير وحتى الان، فلا تجد تجمعا في بيت او مكان عمل او مقهى الا وتجد الحد الموضوعات السياسية يسيطر على الحديث.
وبطبيعة الحال فإن الحديث في السياسة يولد اختلافا في الاراء والمواقف تبعا لقناعات كل فرد، لكن الغريب ان السياسة اصبحت سببا في نشوب خلافات عائلية وصلت الى حد القطيعة في بعض الاحيان بين افراد الاسرة الواحدة بسبب التباين في المواقف والانتماءات.
ولرصد هذه الظاهرة استطلع مصراوي اراء مجموعة من المواطنين، وكانت البداية مع ممدوح علي ''محاسب'' حيث قال: نختلف كثيرا أنا ووالدي نتيجة الأحداث الجارية، وحدث ذلك بشكل بارز فى انتخابات مجلس الشعب حين حاول والدي إقناعنا بالتصويت لمرشح ما فى حين جاءت وجهة نظرى مغايرة له وخضت معه مناقشة كادت تصل إلى حد الشجار ولكنني تمسكت بأن كل شخص حر في اختياره وأمام الصندوق أخترت بالفعل من أريد.
خلافات بسبب الرئيس القادم
ميرفت على ''ربة منزل'' قالت: فى البيت نحن مجموعات متنوعة من التيارات السياسية المختلفة فأنا وزوجى نرى أن عمرو موسى هو الأصلح للرئاسة أما ابنى الأكبر فيرى ان حمدين صباحى هو الأصلح فى حين أن الأوسط سيكون مرشحه حازم صلاح أبو إسماعيل أما أبنتى الصغرى فلا ترى أى مرشح مناسب على الساحة.
كريم حسين ''مهندس'' قال: نتنافش فى المنزل بأسلوب ديمقراطي فى كل ما يدور حولنا وكثيرا ما نختلف ولكن مع الحفاظ على الإحترام، وكان آخرها أحداث بورسعيد التى راح ضحيتها أكثر من 75 مشجع أهلاوى فوالدى كان مقتنعا تماما بأن ما حدث هو مؤامرة خارجية أما أختى فترى أن الداخلية هى المسئولة عما حدث فيما كنت أرى أننا فى النهاية ضحية لجمهور متعصب وإعلام منافق.
أولادي لا يحترمون رأى الكبير
محمود عبد الستار ''موظف'' قال: بعد قيام الثورة اصبح بعض الشباب - ومنهم أولادي - لا يحترمون رأى الأكبر منهم وهو ما احدث خلافات عديدة بيننا، وكان ابرزها رفضي لمطالبة المجلس العسكري بتسليم السلطة فورا، فلا أعلم كيف يمكن أن ينادوا بإسقاط الجيش الذى يدير البلاد كما أننى أتعجب بِشأن تسليم السلطة فالمجلس العسكرى وعد بتسليمها فى يونيو هذا العام فما الجدوى من تسليمها الآن وحتى وإن تم هذا فمن سيدير شئون البلاد؟
شيماء فتحي ''طالبة'' قالت: بعد الثورة أصبحت مناقشتنا السياسية أنا وأختي كثيرة وتارة نتفق ومرات كثيرة أخرى نختلف، وعندما ألقى مبارك خطابه ''العاطفي '' في فبراير الماضي والذي قال فيه أنه لن يترشح مرة أخرى ويريد الموت على أرض مصر أنقسم وقتها الشعب وأنتقل هذا الإنقسام لنا في بيتنا فكنت أرى أنه لا فائدة من وجوده فما فسد طوال ثلاثون عاماً لن يتم إصلاحه فى ستة أشهر أما هى فكانت ترى أن البلد ستنهار وهو ما لم يحدث والحمد لله.
المليونيات والفيس بوك سبب المشاكل
بسمة مصطفى ''موظفة'' قالت: إختلفت مع زوجى كثيرا أيام الثورة بسبب حرصه على الذهاب إلى ميدان التحرير من ورائى فى الأيام الأولى للثورة وحتى الآن، وهذا ما كان يقلقنا عليه للغاية وكان يوم معركة ''الجمل'' متواجد وفشلت فى الوصول إليه ويومها أصابنى الخوف عليه إلا أن الله سلم وبعدها أصبحنا ندخل فى مشاجرات عديدة بسبب مشاركته فى مليونيات يوم الجمعة بالإضافة إلى جلوسه على ''الفيس بوك'' بعد العمل لساعات طويلة.
أما عن آراء الخبراء والمتخصصين فكانت البد اية مع الدكتورة سناء بدوى أستاذ علم الإجتماع بجامعة القاهرة فقالت: الثورة أعادت إكتشاف الشخصية المصرية فالأسرة هى المثال المصغر للمجتمع الكبير الذى نعيش فيه لكل فرد رأيه ووجهة نظره بناء على عوامل عديدة منها درجة التعليم والتخصص الدراسى وفارق الخبرات والإنتماء السياسى إن وجد.
وأضافت: يجب على الأسرة أن تدرك التغير الذى حدث عقب الثورة وإستغلال ذلك إيجابياً وتوجيه بالشكل المناسب وما المانع من تطبيق فكرة ''الإجتماع '' كل أسبوع ليخصص رب الأسرة موعداً محدداً لمناقشة بعض القضايا والموضوعات ويمكن من خلال ذلك إعادة التوازن والإنتماء لها مثلما زاد الإنتماء لدينا وشعرنا جميعاً أن البلد عادت إلينا.
وأوضحت أنه من الطبيعى وجود إختلاف داخل الأسرة الواحدة فتعرض الفرد للمؤثرات الخارجية من المجتمع من شأنه أن يؤثر على سلوكه داخل الأسرة فالأب نجده مثلاً لديه العديد من الأفكار والمعتقدات يزرعها فى أبناءه ولكن ليس بالضرورة أن يسيرعليها الأبناء بلا تفكير أو هوية ذاتية لذا فالوالدين عليهما أن يحترما آراء أبنائهم والإستماع إليها جيداً حتى نكسبهم الثقة بالنفس أما الأبناء فعليهم أن يحافظوا على الأحترام للكبير والنظام الأسرى المعتاد.
أما الدكتور محمود عبد الرحمن حمودة أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر فأكد على أن الإختلاف هو سمة البشر وهذا الإختلاف قد يقترن فى الأسرة الواحدة بالفارق العمرى بين الأشخاص فنجد الصراع الدائم بين الأب والأبناء فيما يمكن أن نطلق عليه ''صراع الأجيال'' وبعد الثورة التى أشعل شرارتها الشباب بدأوا فى التمرد ورفض أى سلطة حتى داخل المنزل لنجد إستخدام حقهم فى التعبير عن الإنتماء السياسى كنوع من الرغبة فى تنفيذ فكرة معينة أو التعبير عن الذات وبناء هويتهم المميزة عن غيرهم.
وأضاف: فنجد داخل الأسرة الأشقاء نجد كلا منهم مختلفاً عن الآخر فى تصرفاته وأفعاله ومآكله وشرابه وغيرها بحثاً عن التميز الذى يفصله عن شقيقه.
وقد نجد التعبير عن الرآى نوع من الإعتراض تتمسك به الزوجة ''المقهورة'' فى وجه سلطة زوجها الديكتاتورى - من وجهة نظرها - أو التعبير عن غضبها من سلوك أو تصرف معين.
واختتم حديثه موضحاً أن الأب أو الزوج أصبح يتلمس طريقه من أجل الحفاظ على الإستقرار بعدم فرض رأيه كصورة من صور القهر الممارس من صاحب السلطة ويجب التنيه على أن الحرية المطلقة ضارة للغاية ولابد من وجود معايير تحكمها حتى لاتسبب الأزمات لصاحبها الساعى للتحرر من أى قيود.